تمثل شركة أرامكو السعودية، التي كانت قبل الإدراج مملوكة للدولة بالكامل، الشركة الرائدة في اقتصاد المملكة، والتي توسعت وتنوعت عبر تاريخها الذي يمتد لأكثر من 80 عامًا حتى باتت عملاق قطاع النفط العالمي في يومنا هذا. حيث تعد أرامكو الآن أكبر شركة مصدرة للنفط الخام على مستوى العالم بمعدل برميل من كل ثمانية براميل من إمدادات النفط العالمية، علمًا أنها تطورت من مجرد منتج للنفط الخام لتصبح الرائدة في مجال البتروكيماويات واستكشاف الهيدروكربونات وتكريرها وتوزيعها.
مقالة عما قبل أرامكو وما بعدها
نكتب التاريخ
معًا
كان التعامل مع أكبر اكتتاب عام يشهده التاريخ تحديًا كبيرًا لسوقنا المالية الناشئة حيث تطلب إتمام الترتيبات المتعلقة بالإداراج القيام بتحضيرات عديدة في وقت قياسي. ومع ذلك تولت تداول هذه المهمة بنجاح واختتمت هذه الفترة بحدث باهر.
الطريق إلى الإدراج
طرحت فكرة بيع جزء من أرامكو أول مرة منذ حوالي أربع سنوات. لم تكن تداول حينها قد وصلت إلى درجة نضجها اليوم ولم تكن هيئة السوق المالية قد وافقت على قبول المستثمرين الأجانب المؤهلين إلا منذ وقت قصير، في فترة كانت تنتظر السوق فيها أيضًا الحصول على اعتراف المؤشرات العالمية. أطلق صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية 2030 لتنويع اقتصاد المملكة العربية السعودية وتحسين مستويات المعيشة والمستويات التعليمية والثقافية لشعبها، وكان إدراج أرامكو من هذا المنطلق وسيلة لتحقيق هذه الغاية. كان هناك العديد من القرارات الشاقة التي تعين اتخاذها، مثل مكان إدراج الشركة وحجم الطرح، فضلًا عن متطلبات الشفافية التي توجب الوفاء بها إذا ما أرادت أرامكو طرح أسهمها للجمهور، يضاف إليها الخلاف حول سعر الأسهم في الاكتتاب العام.
خلف الكواليس
تطلب الحجم التاريخي لعملية الإدراج الكثير من الخطوات الأولية الشاقة التي كان لا بد من اتخاذها. فبينما كانت المتطلبات المالية للاستثمارات اللازمة لتحقيق خطط رؤية 2030 تلوح في الأفق، لم يكن من السهل طرح حتى حصة صغيرة من هذه الشركة الوطنية الثمينة للاستثمار.
تطلب التخطيط والعمل التمهيدي وقتًا كبيرًا والتزامًا من ناحية الموارد البشرية على مدى عامين. حيث ضم فريق المشروع 119 عضوًا ولجنة أساسية من تسعة أعضاء قضوا حوالي 1,000 ساعة عمل في المجموع وأجروا أكثر من 25 اجتماعًا. كما اضطر أعضاء الفريق إلى السفر خارج المملكة وداخلها أكثر من 25 مرة فيما يتعلق بالمشروع.
بالنسبة لسوق مالية ناشئة، كانت استضافة مثل هذا الاكتتاب العام الضخم قفزة عملاقة بالفعل تطلبت بعض الإفصاحات قبل الإدراج. فقد استلزم فتح دفاتر الحسابات لوكالات الإدراج الدولية والكشف عن أرقام الأرباح للجمهور.
ولتقليل الوقت اللازم لعملية الطرح خلال عملية تسجيل المكتتبين المحتملين، طبقت عملية اكتتاب متداخلة للأفراد والمؤسسات وجرى التحقق من صحة كل سجلات الأسهم، سواء كانت للأفراد أو المؤسسات، على أساس يومي. لم تتحقق عملية الاختبار من مرونة النظام فحسب، بل ومن استعداد الأعضاء وموردي البيانات أيضًا. كما أجريت ثلاثة اختبارات تحمل مع المشاركين في السوق لاختبار قدرات أنظمة المشاركين في السوق ومددت ساعات المزاد الافتتاحي بحيث ينتهي في وقت لاحق عن بقية السوق وطبقت عمليات صارمة لتخفيف المخاطر سعيًا للحد من أي فشل محتمل في النظام.
كما قامت شركة مركز إيداع الأوراق المالية (إيداع) بتجديد إجراءات الاكتتاب العام. حيث تطلب الأمر تطوير عمليات جديدة واختبارها والتحقق منها، مثل فتح الحساب اليومي للمشتركين. كما عقدت ورش عمل مع الوسطاء والبنوك المستفيدة لتعريفهم بالعملية، إلى أن قطفنا ثمار أعمالنا في عملية الاكتتاب الفعالة والكفؤة لجميع الأطراف من مصدرين ومستثمرين ووسطاء ومصارف مستقبلة. اكتمل الاكتتاب العام في نهاية المطاف مع ما يقرب من مليوني مشترك متجاوزًا المعروض بنسبة 465% ونفذت أكثر من 1,800 عملية تحويل من حساب الجهة المسؤولة عن إدارة الإصدار إلى المستثمرين المؤسسيين.
خلق الحجم غير المسبوق لعملية الإدراج حاجة إلى تطوير الأنظمة الرئيسية وترقية الأجهزة للتعامل مع الأحجام الضخمة بالسرعة والموثوقية المطلوبة.
استلزم حجم الإدراج الكبير والضغط نتيجة لذلك على الأنظمة إجراء تحسينات تقنية كبيرة، حيث تطلب الأمر تطوير العديد من أنظمة التداول الوظيفية وغير الوظيفية وتنفيذها واختبارها لتتماشى مع خطة إدراج أرامكو وأهدافها المرحلية.
تم تطبيق خدمة إنشاء سجل مالكي الأوراق المالية تلبية للمتطلبات المتزايدة. ومع ذلك، أجريت هذه الودائع عن طريق تحويلات خالية من الدفع لا من خلال تطبيق إنشاء الاكتتاب العام لضمان إيداع الأسهم المخصصة للمستثمرين من المؤسسات في المحافظ المالية الصحيحة.
أجريت عمليات التحسين على جميع التطبيقات لزيادة سرعة المعالجة والإنتاجية، حيث أجريت تحسينات متعددة على أداء الشبكة من خلال زيادة شبكات ربط الأعضاء وعرض النطاق الترددي للإنترنت.
جرى أيضًا تحسين سعة البنية التحتية لموقع تداول الإلكتروني والتطبيقات الأخرى ذات الصلة لتحسين أداء الخادم والتعامل مع الأعباء المتزايدة خلال إدراج أرامكو، فضلًا عن إضافة صفحات جديدة في الموقع وتعديل القوائم وفقًا لها سعيًا لتسليط الضوء على أرامكو.
زودت البنية الأساسية للخوادم الحالية بثمانية خوادم مادية جديدة ورفعت السعة السحابية بحيث تتوافق مع متطلبات الإدراج وأدخلت من جانب آخر ميزة تحديد الحد الأعلى لتنظيم المؤشر بعد الإدراج.
المقارنة مع ما سبق
كان الإدراج الأكبر في التاريخ من حيث القيمة السوقية الإجمالية، حيث وصل تقييم أرامكو في اليوم الثاني من التداول إلى 2 تريليون دولار.
كان إدراج أرامكو السعودية، كما كان متوقعًا، أكبر اكتتاب عام يشهده التاريخ من حيث القيمة السوقية. وحتى ندرك حجم هذا الاكتتاب دعونا نلقي نظرة على بعض أبرز الاكتتابات العامة عبر التاريخ.
القيمة السوقية (مليار دولار أمريكي)
من الواضح أن أرامكو هي أكبر شركة على الإطلاق من حيث القيمة السوقية. وعلى الرغم من أنها تتصدر كذلك في عدد الأسهم الحرة، إلا أنها لا تتقدم كثيرًا على غيرها في هذا الصدد نظرًا لطرح جزء صغير فقط من أسهمها للبيع.
الحدث
تمت الموافقة على الإدراج في 3 نوفمبر 2019م وفتح باب التداول في 11 ديسمبر بعد خمسة أسابيع تقريبًا خصصت لتسجيل المكتتبين المحتملين. جمع الاكتتاب في البداية 25.6 مليار دولار أمريكي جعلته أكبر اكتتاب عام على الإطلاق بعد تحديد سعر السهم بمبلغ 32 ريالًا، ما حدد بدوره قيمة الشركة بمبلغ 1.7 تريليون دولار أمريكي. وبذلك، تخطت أرامكو مايكروسوفت وآبل لتصبح الشركة المدرجة الأكثر قيمة في العالم. بعد زيادة سعر السهم في أرامكو بنسبة 10% في أول يوم للتداول، ارتفع مجددًا بنسبة 10% في اليوم الثاني، ما أوصل القيمة السوقية إلى ملياري تريليون دولار أمريكي. ومن الجدير بالذكر أن الالتزام بالوقت في جميع الأعمال التحضيرية للبنية التحتية أدى إلى نتائج مثمرة تجلت بإتمام عملية إيداع الأسهم في غضون 18 ساعة من إعلان التخصيص.
من المتوقع أن يؤدي الإدراج إلى رفع السيولة في السوق وجذب المحافظ الاستثمارية الأجنبية الجديدة التي تركز على التحوط.
طبقت أرامكو في يناير 2020 "خيار التخصيص الزائد" لبيع أسهم إضافية مقابل 3.8 مليار دولار أمريكي، ما رفع إجمالي المبلغ إلى 29.4 مليار دولار أمريكي.
الأثر ما بعد الإدراج
في نهاية شهر ديسمبر، ارتفع مؤشر تاسي إلى 8,389 صعودًا من 7,859 في نهاية الشهر السابق بزيادة قدرها 6.7%.
بلغت القيمة السوقية لشركة أرامكو 1,880 مليار دولار أمريكي في 31 ديسمبر 2019، بنسبة 78.13% من إجمالي القيمة السوقية. بلغ إجمالي القيمة السوقية في نهاية شهر نوفمبر 492 مليار دولار أمريكي، مما يشير إلى زيادة بنسبة 400% تقريبًا في القيمة السوقية نتيجة لإدراج أرامكو. قاد الإطلاق تداول لتصبح عاشر أكبر سوق مالية في العالم. حيث بلغت القيمة الإجمالية للأسهم المتداولة 30.13 مليار دولار في ديسمبر 2019م، منها 10.32 مليار دولار (34.2%) لأرامكو، بعد أن كانت القيمة المتداولة في نوفمبر 2019م قد بلغت 15.44 مليار دولار أمريكي، مما يشير إلى زيادة يعود الجزء الأكبر منها إلى إدراج أرامكو بحسب ما تبينه الأرقام التي سجلت على مؤشر تاسي 8,389 و7,859. بلغ وزن مؤشر أرامكو على أساس القيمة السوقية للأسهم الحرة حوالي 10% في نهاية عام 2019م.
من المتوقع أن يؤدي إدراج أرامكو إلى رفع السيولة في السوق وتسهيل دخول المحافظ الاستثمارية الأجنبية الجديدة، الأمر الذي يتوقع أن يحفز تطوير المنتجات المشتقة.
طرح جزء صغير فقط من ملكية أرامكو (1.5%) للتداول في البداية، رفعه "خيار التخصيص الزائد" إلى 1.725%. ومع ذلك، وفي ظل إمكانية إتاحة حصة أكبر في السوق في المستقبل، يمكن لأرامكو أن تلعب دورًا أكبر في توسيع السوق المالية والمساهمة بشكل أكبر في تحقيق أهداف رؤية 2030.
لقد شهدنا بزوغ فجر عصر جديد، وما زالت تنتظرنا آفاق أعظم.